الإرث الوطني
على مدى العقدين الماضيين، قامت قطر ببناء أسس قوية في مجال التعليم والبحوث، حيث قامت بإنشاء مؤسسات تعليمية وبحثية عالمية المستوى تمثل نقطة الانطلاق لرحلتها الطموحة في مجال البحوث والتطوير والابتكار. كما تحتضن المدينة التعليمية في قطر فروعًا لنخبة من أفضل الجامعات العالمية، بينما تعكس الجامعات الوطنية مثل جامعة قطر وجامعة حمد بن خليفة قوة نظام التعليم في الدولة. علاوة على ذلك، تتصدّر قطر دول المنطقة في مجال البحوث، حيث بنت قاعدة بحثية متينة شملت أصولاً بحثية مهمة خلال فترة زمنية قصيرة للغاية.
وقد شهدت تلك المرحلة نجاحًا كبيرًا للتجربة الوطنية في تطوير تكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال، وصعود دولة قطر إلى الريادة العالمية في هذا المجال، ما أحدث تحولًا اقتصاديًا كبيرًا. وتلى ذلك نجاح دولة قطر في الفوز بشرف استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، ما أدى الى نهضة عمرانية وتطوّر سريع للبنية التحتية والنشاط الاقتصادي.
واليوم، وبالاستناد إلى إرثها الوطني المتمثل في ملف البحوث والتطوير والابتكار، تسعى دولة قطر إلى بناء مجد جديد تخطو به خطوةً أخرى في مسيرة نجاحها. حيث تتطلع عبر الاستثمار في هذا الملف إلى تحقيق التنويع الاقتصادي المطلوب لاستدامة الرخاء والازدهار الوطني بحلول عام 2030، مستعينة بقدراتها الوطنية التي عكفت على تعزيزها على مدى العقدين الماضيين. وتشارك قطر بفعالية في أنشطة البحوث والتطوير والابتكار، وهناك إمكانية لتحقيق مزيد من النمو، حيث من الضروري التركيز على البحوث والتطوير والابتكار أيضًا، باعتبارها أنشطة تؤثر ديناميكيًا على كل من المشهدين الاقتصادي والاجتماعي في قطر. ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة، يسعى جدول أعمال البحوث والتطوير والابتكار في قطر إلى توفير محفّز جديد للنمو الاقتصادي، حيث ستعمل أنشطة البحوث والتطوير والابتكار كأداة لزيادة الإنتاجية. وفي الوقت نفسه، تسمح أنشطة البحوث والتطوير والابتكار للشركات القائمة حالياً بتعزيز قدراتها التنافسية، ودعم ظهور قطاعات جديدة كثيفة الاعتماد على البحث والتطوير، وتوسيع قاعدة التصدير. أما على الصعيد الاجتماعي، لا يقتصر دور أنشطة البحوث والتطوير والابتكار على تقديم فرص عمل جديدة للمواطنين والمقيمين في قطر، بل يشمل أيضًا توفير الفرص للجهات الدولية الفاعلة في مجال البحوث والتطوير والابتكار التي تختار قطر كوجهة لها لإجراء تلك الأنشطة، وذلك نظرًا لموقعها الاستراتيجي والبحوث العالمية التي أجرتها في السابق وبنيتها التحتية الأكاديمية وخارطة طريق البحوث والتطوير والابتكار التي قدمتها استراتيجية قطر للبحوث والتطوير والابتكار 2030. وبالدرجة الأولى، يمكن لأنشطة البحوث والتطوير والابتكار أن تؤدي إلى اكتشاف وتطوير ونشر الحلول التي تعالج التحديات المحلية والعالمية الملحّة.
الإطار الوطني
في عام 2008، وفي إطار سعيها الدؤوب لتحقيق هدفها الذي طالما وضعته نصب عينيها في الصعود إلى مقدمة الدول المتقدمة التي تعتمد على اقتصاد متنوع وتوفر مستوىً معيشيًا مرتفعًا لجميع سكانها، قامت دولة قطر بإطلاق رؤيتها الوطنية نحو 2030. وقد سطرت رؤية قطر الوطنية 2030 الطموحات والتطلّعات المنشودة نحو بناء "اقتصاد معرفي يتّصف بكثافة الاعتماد على البحث والتطوير والابتكار" كأحد أهم ركائز التنويع الاقتصادي المطلوب لتحقيق استدامة الرخاء لدولة قطر.
وفي سبيل تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، كان لابد من وجود خارطة ترسم الطريق وتضع الخطة اللازمة لتحقيق الأهداف. وتمثلت تلك الخارطة في استراتيجية التنمية الوطنية الأولى (2011-2016) ومن بعدها استراتيجية التنمية الوطنية الثانية (2018-2022).
وفي وقت كان التنويع الاقتصادي من خلال "اقتصاد معرفي يتّصف بكثافة الاعتماد على الابتكار" أحد الأهداف الرئيسية لرؤية قطر الوطنية 2030، حدّدت استراتيجية التنمية الوطنية الثانية (2018-2022) "المعرفة والابتكار" باعتبارها عوامل مساعدة وضرورية لتحقيق هذا التنويع، إلى جانب مشاركة القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتُعدّ البحوث والتطوير والابتكار أنشطة مهمة لتمكين كافة العوامل سالفة الذكر. وبشكلٍ أكثر تحديدًا، تنادي استراتيجية التنمية الوطنية الثانية لدولة قطر بـ"إعداد وتطوير استراتيجية للأنشطة العلمية" و"إعداد الاستراتيجية الوطنية للابتكار والنموذج التشغيلي الداعم للابتكار". وتلبّي استراتيجية قطر للبحوث والتطوير والابتكار 2030 هذا النداء، كما سيتم تحديثها لضمان مواءمتها مع استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة لدولة قطر المتوقع صدورها في عام 2023.
المجلس
تأسّس مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار في عام 2018 ليشكل مرحلةً جديدةً وخطوةً مهمةً في المسيرة الوطنية لدولة قطر في مجال البحوث والتطوير والابتكار. وتمثّلت مهمة المجلس الأولى في وضع استراتيجية وطنية للبحوث والتطوير والابتكار من شأنها تعظيم أثر هذا القطاع على مدى العقد القادم وتجسيد الطموحات الوطنية. وقد أنجز المجلس بالفعل هذه المهمة في نهاية عام 2019، حيث قاد جهودًا دؤوبة تكللت بوضع استراتيجية قطر للبحوث والتطوير والابتكار 2030. وتشكّل المجلس من نخبةٍ بارزةٍ تضمُّ عددًا من الخبراء والقيادات المحلية والعالمية من الجهات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والبحثية وقطاع الأعمال.

إعداد وتنفيذ استراتيجية 2030
في إطار السعي لإعداد استراتيجية وطنية تتبنى نظرةً شموليةً لمنظومة البحوث والتطوير والابتكار، استهدف مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار تأميـن الإجمـاع الوطنـي علـى الأهداف وضمـان التكاتف الوطني من أجل تحقيقهـا. لذلك، اعتمد المجلس على إشـراك جميع الجهات الوطنية المعنية بقطاع البحوث والتطوير والابتكار في عملية إعداد الاستراتيجية، حيث قام بتشكيل فرق عمل مشتركة ضمت – إلى جانب مستشاري وخبراء أصحاب المصلحة المحليّين – نخبة مختارة من الخبراء الدوليّين في هذا المجال. وقد قام فريق الأمانة العامة بالمجلس بإجراء مشاورات مكثفة مع أصحاب المصلحة في قطر، شملت أكثر من 200 اجتماع مع ممثّلين عن كافة الجهات الحكومية وقطاع الأعمال والمؤسسات التعليمية والبحثية، بالإضافة إلى استشارة أكثر من 25 خبيرًا دوليًا في مجال البحوث والتطوير والابتكار.
ومرت عملية إعداد الاستراتيجية الوطنية للبحوث والتطوير والابتكار بعدة مراحل منهجية متأنية، حيث شهدت بدايتها بناء قاعدة معلومات مفصّلة حول أداء قطاع البحوث والتطوير والابتكار في دولة قطر، وتحليل شامل للتجارب المحلية. كما تمت مراجعة الاستراتيجيات الوطنية، وتحليل السياق الاقتصادي والاجتماعي في دولة قطر. وشملت تلك العملية مراجعة وتحليل أكثر من 130 برنامجًا، مع تغطية أكثر من 30 قطاع رئيسي وفرعي عبر دراسة وتحليل ما لا يقل عن 260 فرصة أو تحدي أمام هذه القطاعات. وتمثلت آخر مراحل الإعداد في إجراء عملية تشاور ومراجعة شاملة لمسودة الاستراتيجية.
وقد تشرّف مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار بعرض استراتيجية قطر للبحوث والتطوير والابتكار 2030 على حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، حفظه الله، في الربع الأول من عام 2020.